أثر خطاب الكراهية على المجتمع اليمني وأهمية التربية الإعلامية في الحد منه
في زمن يتحكّم فيه الإعلام بالرأي العام ويؤثر في سلوك المجتمعات، يصبح خطاب الكراهية أحد أخطر التهديدات لسلامة النسيج الاجتماعي. وفي اليمن، بلد التنوّع الثقافي والمناطقي، تتضاعف خطورة هذا الخطاب نتيجة الحروب المتكررة والانقسامات السياسية الحادة، لتنتشر كلمات التحريض والتفرقة عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل وكأنها حقائق لا تقبل الجدل.
في هذا المقال، نسلّط الضوء على أثر خطاب الكراهية على المجتمع اليمني، ونشرح كيف يمكن للتربية الإعلامية أن تكون وسيلة استراتيجية فعالة لمواجهته والتقليل من تأثيره، مع تقديم أدوات عملية قابلة للتطبيق في السياق اليمني.
ما هو خطاب الكراهية؟
خطاب الكراهية هو كل شكل من أشكال التعبير (سواء كان مكتوبًا، مرئيًا، أو منطوقًا) يهدف إلى التحريض على الكراهية أو العنف أو الإقصاء ضد أفراد أو جماعات بسبب انتمائهم العرقي، الديني، الطائفي، السياسي، أو أي سمة من سمات الهوية والاختلاف.
ولا يقتصر هذا الخطاب على الألفاظ النابية أو الشتائم المباشرة، بل يشمل أيضًا:
-
التحريض غير المباشر والمبطن
-
التلميحات العنصرية أو المناطقية
-
صناعة صور نمطية سلبية عن الآخر
-
تجريد الجماعات من إنسانيتها أو شرعيتها
إنه خطاب يقوم على تقسيم المجتمع إلى “نحن” مقابل “هم”، ويوظف الكلمات في بث الخوف، الحقد، والتخوين، بدلًا من الحوار والفهم.
أشكال خطاب الكراهية في اليمن
في السياق اليمني، يُعدّ خطاب الكراهية ظاهرة بارزة تتخذ عدة أشكال، خاصة في ظل الصراع والانقسام السياسي. ومن أبرز مظاهره:
1. الحملات التحريضية ضد مناطق أو جماعات معينة
يُستخدم الخطاب الإعلامي لتشويه سكان منطقة بعينها، واتهامهم بالولاء لطرف أو جهة خارجية. يُصوَّر الآخر كمصدر خطر أو تهديد، ما يعزز مشاعر العداء بين أبناء الوطن الواحد.
مثل وصف سكان منطقة معينة بالخيانة أو التبعية، أو التلميح بأنهم “لا يستحقون” حقوقًا متساوية.
2. استخدام الإعلام لتجريم المعارضين
تلجأ بعض الوسائل الإعلامية إلى شيطنة كل من يختلف في الرأي أو التوجّه، واتهامه بالعداء للوطن أو بالعمالة، دون دليل أو محاكمة.
وهذا الأسلوب يُحوّل الخلاف السياسي المشروع إلى كراهية شخصية وجماعية، ويُشرعن العنف الرمزي وربما المادي ضد الآخر.
3. نشر محتوى تعبوي قائم على المظلومية أو الانتقام
يتم الترويج لخطابات تتحدث فقط عن مظلومية طرف معين، متجاهلة مظلومية الآخرين، مما يُعمّق الإحساس بالضحية ويغذي الرغبة في الانتقام، لا العدالة.
مثل استخدام القصص الفردية المؤلمة للتحريض الجماعي، بدل أن تكون دعوة للإنصاف.
لماذا هو خطر؟
لأن خطاب الكراهية لا يقتصر أثره على الكلمات. بل هو الذي يُمهّد الطريق نحو العنف، التمييز، التصفية المعنوية والمادية.
وإذا لم يتم التصدي له، يتحول إلى ثقافة تُبرّر الإقصاء والتهميش، وتقف في وجه أي جهود لتحقيق المصالحة الوطنية.
نحو خطاب بديل
لمواجهة خطاب الكراهية، لا يكفي منعه فقط، بل يجب إنتاج خطاب بديل يقوم على:
-
الاعتراف بالتعدد والاختلاف
-
تعزيز قيم الاحترام المتبادل
-
مساءلة الخطاب العام من منطلقات إنسانية ووطنية
-
توجيه الإعلام ليكون مساحة حوار لا ساحة معركة
لماذا يُعدّ اليمن بيئة خصبة لخطاب الكراهية؟
يُعاني اليمن من ظروف سياسية واجتماعية معقّدة، جعلت بيئته مهيّأة لانتشار خطاب الكراهية بكل أشكاله، سواء في وسائل الإعلام التقليدية أو على منصات التواصل الاجتماعي. ويمكن تلخيص أبرز العوامل التي تُسهم في تفشي هذا الخطاب على النحو التالي:
1. الاستقطاب السياسي والمناطقي
تعدد الانتماءات السياسية والمناطقية في اليمن تحوّل من حالة تنوّع مشروع إلى أدوات استقطاب حاد.
فبدلًا من أن تكون هذه الانتماءات وسيلة لإثراء الحياة السياسية، أصبحت تُستغل لشيطنة الخصوم، وتقسيم المواطنين إلى “نحن” و”هم”، مما يُغذّي مشاعر الإقصاء والكراهية.
مثال: وسائل إعلام تصف منطقة أو جماعة بأنها “خائنة” أو “تابعة”، ما يعزز النظرة العدائية بين أبناء الشعب الواحد.
2. غياب التشريعات الرادعة
حتى الآن، لا توجد قوانين فعالة وواضحة تجرّم خطاب الكراهية في اليمن بشكل مباشر.
وهذا الغياب القانوني سمح بانتشار خطاب تحريضي دون محاسبة، سواء عبر الإعلام أو وسائل التواصل، وهو ما يُضاعف من التأثير السلبي لهذه الخطابات على السلام الاجتماعي.
في دول أخرى، يعاقب القانون على التحريض، أما في اليمن، فغالبًا ما يُمرّر كجزء من “الحرية الإعلامية”.
3. ضعف الوعي بالتربية الإعلامية
الغالبية العظمى من الناس، وخاصة الشباب، لا يمتلكون المهارات الأساسية لفهم الإعلام وتحليله.
يفتقرون إلى أدوات التمييز بين الخبر والتحريض، وبين النقد البنّاء وخطاب الكراهية، وهو ما يجعلهم عرضة للتأثر بالمحتوى المضلل والخطير.
في ظل هذا الضعف، تصبح الشائعة “حقيقة”، والكلمة التحريضية “رأيًا”، ويصعب على الجمهور رفض الكراهية أو تفكيكها.
4. الإعلام كأداة صراع لا وسيلة إصلاح
كثير من وسائل الإعلام اليمنية، خصوصًا التابعة لأطراف النزاع، لا تعمل بمعايير مهنية محايدة، بل تتحوّل إلى منصات دعائية للتحريض أو التجييش.
الإعلام هنا لا يُبني وعيًا وطنيًا، بل يُغذّي الولاءات الضيّقة، وينشر خطابًا يُعمّق الشرخ بين مكونات المجتمع.
بدل أن يكون الإعلام جسرًا بين الأطراف، أصبح في حالات كثيرة وقودًا يُشعل الخلافات.
يُعدّ اليمن أرضًا خصبة لخطاب الكراهية نتيجة تداخل عوامل سياسية، وقانونية، وتعليمية، وإعلامية.
ولكي نكسر هذه الحلقة، لا بد من مواجهة هذه الأسباب الجذرية، بدءًا من سنّ تشريعات واضحة، مرورًا بـ نشر ثقافة التربية الإعلامية، وصولًا إلى إصلاح الإعلام وتحريره من الاستقطاب.
الحد من خطاب الكراهية لا يتحقق بإدانته فقط، بل بفهم البيئة التي تسمح له بالنمو والعمل على تغييرها.
آثار خطاب الكراهية على المجتمع اليمني
يُعد خطاب الكراهية أحد أخطر الأدوات التي تُستخدم لتمزيق النسيج الاجتماعي في أي مجتمع، وفي اليمن، تتضاعف خطورته بسبب الواقع المعقد الذي يمر به البلد من صراعات سياسية، طائفية، ومناطقية، ما يجعل المجتمع أكثر هشاشة أمام تبعات هذا الخطاب المدمر.
1. تفكك النسيج الاجتماعي وزرع الفُرقة
خطاب الكراهية يُغذّي الانقسام بين مكونات المجتمع اليمني، سواء على أساس مناطقي (شمالي – جنوبي، أو شرقي – غربي)، أو طائفي (سني – زيدي)، أو سياسي (موالاة – معارضة). وقد أدى ذلك إلى تفكك الروابط التي لطالما جمعت اليمنيين، وولّد مشاعر العداء والخوف المتبادل.
2. تأجيج الصراع واستدامة الحرب
يُستخدم خطاب الكراهية في كثير من الأحيان كأداة تعبئة وتحشيد، مما يسهم في تصعيد التوترات وتحويلها إلى صراعات عنيفة. الإعلام الحزبي والمنصات الإلكترونية أصبحت منابر لترويج هذا الخطاب، مما يعمّق الشرخ بين الفرقاء ويُصعّب فرص المصالحة الوطنية.
3. زعزعة السلم الأهلي وتهديد التعايش
كان اليمن بلدًا متنوعًا دينيًا وثقافيًا، وعاش فترات طويلة من التعايش بين مختلف مكوناته. إلا أن انتشار خطاب الكراهية أدى إلى تقويض أسس هذا التعايش، حيث باتت المجموعات تشعر بالتهديد والإقصاء، ما يُولّد حالات من العنف الانتقامي، أو الانغلاق الاجتماعي، ويدفع بعض الفئات للهجرة أو النزوح الداخلي.
4. التأثير على الأجيال القادمة
من أخطر آثار خطاب الكراهية في اليمن هو تأثيره على فئة الشباب والأطفال، حيث يتشربون هذا الخطاب من البيئة المحيطة، سواء من خلال التعليم المُسيّس، الإعلام، أو النقاشات المجتمعية. مما ينتج أجيالًا مشبعة بأفكار الانتقام ورفض الآخر، ويُرسّخ ثقافة الكراهية كجزء من الهوية.
5. تآكل الثقة في المؤسسات والدولة
حين يُستخدم خطاب الكراهية من قبل أطراف تمتلك نفوذاً أو مؤسسات إعلامية رسمية أو شبه رسمية، فإن ذلك يؤدي إلى فقدان الثقة بالدولة ومؤسساتها. المواطن يرى أن السلطة منحازة، أو تُغذي الصراع، فيتحول من مواطن مدني إلى تابع لطائفة أو جهة أو قبيلة، مما يُضعف مفهوم الدولة الجامعة.
6. تدهور الحالة النفسية والمعنوية للمجتمع
الأفراد المتعرضون بشكل دائم لخطاب الكراهية يصابون بالإحباط، والقلق، والشعور بالعجز والخوف. وهذا يؤثر على الصحة النفسية العامة للمجتمع، ويُنتج بيئة مضطربة وغير مستقرة، تؤثر على الأداء الاقتصادي والتنموي كذلك.
إن مكافحة خطاب الكراهية في اليمن لم تعد مجرد مسؤولية أخلاقية، بل ضرورة وطنية لإنقاذ ما تبقى من وحدة المجتمع وسلامه الأهلي. ويستلزم ذلك جهداً جماعياً من النخب السياسية والدينية، والمجتمع المدني، ووسائل الإعلام، للعمل على نشر خطاب التسامح وبناء ثقافة قبول الآخر. فبدون ذلك، سيظل اليمن يدفع ثمناً باهظاً من دماء أبنائه ووحدته الاجتماعية.
ما هي التربية الإعلامية؟ ولماذا نحن بحاجة ماسّة لها في اليمن؟
التربية الإعلامية (Media Literacy) هي القدرة على الوصول إلى المعلومات الإعلامية وفهمها وتحليلها وتقييمها والتفاعل معها بوعي ونقد. وهي تمكّن الفرد من التمييز بين الحقيقة والتضليل، وبين الأخبار الموضوعية والخطابات الموجهة أو الدعائية، كما تُعزّز التفكير النقدي تجاه الرسائل الإعلامية التي نتلقاها عبر مختلف الوسائط: التلفزيون، الإنترنت، وسائل التواصل الاجتماعي، الصحف، والإذاعات.
وتشمل التربية الإعلامية مهارات عديدة، منها:
-
تحليل محتوى الرسائل الإعلامية: فهم الرسائل الخفية والعلنية في النصوص والصور والفيديوهات.
-
تمييز المعلومات المضلّلة والخطابات التحريضية.
-
إنتاج محتوى إعلامي مسؤول: كتابة، تصوير، أو مشاركة محتوى يحترم القيم الإنسانية والحقوق.
-
فهم التأثير النفسي والاجتماعي للإعلام على الرأي العام والسلوك الفردي
أهمية التربية الإعلامية في اليمن:
تكتسب التربية الإعلامية أهمية استثنائية في السياق اليمني، نظراً للظروف السياسية والاجتماعية التي تعيشها البلاد منذ سنوات، وما نتج عنها من فوضى إعلامية، وانتشار واسع للمعلومات المضللة، وخطابات التحريض والكراهية. وفيما يلي أبرز أوجه أهمية التربية الإعلامية لليمنيين:
1. تعزيز الوعي المجتمعي في ظل الفوضى الإعلامية
في بيئة إعلامية مشحونة بالاستقطاب السياسي والطائفي، تساعد التربية الإعلامية المواطنين على:
-
فهم دوافع وأجندات وسائل الإعلام.
-
تمييز الأخبار الحقيقية من الزائفة.
-
قراءة الأحداث بوعي نقدي، وعدم الانجرار وراء الخطابات التحريضية أو العاطفية.
2. مكافحة خطاب الكراهية والانقسام
تنتشر في وسائل الإعلام اليمنية خطابات تُغذّي الكراهية والانقسام بين مكونات المجتمع. وتُعد التربية الإعلامية أداة فعالة لمحاربة هذه الخطابات من خلال:
-
كشف أساليب التلاعب بالعواطف والمصطلحات.
-
تعزيز مفاهيم التسامح، واحترام التعدد.
-
تمكين الشباب من الرد الواعي على هذه الخطابات بمحتوى مضاد ومسؤول.
3. حماية فئة الشباب والأطفال
الشباب اليمني يُشكّل النسبة الأكبر من السكان، وهم الأكثر تفاعلاً مع الإعلام الرقمي. ومن هنا، تصبح التربية الإعلامية ضرورية لحمايتهم من:
-
التطرف الفكري والتحريض الإلكتروني.
-
حملات التضليل أو التجنيد الإعلامي ضمن أجندات الصراع.
-
التأثر السلبي بالمحتوى العنيف أو المنحرف المنتشر في وسائل الإعلام.
4. تمكين المجتمع من إنتاج محتوى إيجابي
لا تقتصر التربية الإعلامية على الاستهلاك الواعي فقط، بل تسهم في:
-
تأهيل الأفراد لإنتاج محتوى إعلامي هادف يخدم قضايا التنمية والسلام.
-
تعزيز الصحافة المجتمعية كأداة لإيصال صوت المواطن ومراقبة الأداء العام.
-
تحفيز الإبداع الإعلامي المحلي في مواجهة الهيمنة الإعلامية الخارجية.
5. دعم جهود السلام والمصالحة الوطنية
يمكن أن تكون التربية الإعلامية رافعة لبناء السلام، من خلال:
-
نشر الروايات التي تُعزّز التعايش والهوية الوطنية الجامعة.
-
مقاومة التحريض الإعلامي الموجّه ضد فئات أو مناطق معينة.
-
خلق وعي جماهيري يدعم الحلول السلمية بدلًا من العنف وردود الفعل الغريزية.
6. بناء مناعة رقمية ضد التضليل والدعاية
مع الاعتماد المتزايد على الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، باتت التربية الإعلامية ضرورية لمساعدة الأفراد على:
-
حماية أنفسهم من الأخبار الكاذبة و”الترندات” الموجّهة.
-
تجنب الوقوع في فخ الحسابات الوهمية والمصادر غير الموثوقة.
-
فهم كيفية تحليل الصور والفيديوهات ومعرفة ما إذا كانت مُعدّلة أو مقتطعة.
أهمية التربية الإعلامية في اليمن لا تكمُن فقط في جانبها التعليمي، بل في دورها الحيوي كأداة لبناء مجتمع أكثر وعيًا ومقاومةً للاستقطاب، وأكثر قدرة على حماية نفسه من التلاعب الإعلامي، والقيام بدوره في بناء السلام والتعايش. إن إدماج هذه الثقافة في المناهج التعليمية والأنشطة الشبابية والمجتمعية هو استثمار حقيقي في مستقبل اليمن.
كيف تساهم التربية الإعلامية في الحد من خطاب الكراهية؟
في عصرٍ أصبح فيه الإعلام الرقمي مؤثرًا قويًا في تشكيل الرأي العام، لم يعد بالإمكان تجاهل الدور الخطير لخطاب الكراهية الذي ينتشر بسرعة عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل. وهنا تأتي التربية الإعلامية كأداة استراتيجية وضرورية لمواجهة هذا الخطر والحد من آثاره، خاصة في بيئات متأزّمة كاليمن.
1. رفع الوعي بمخاطر خطاب الكراهية
التربية الإعلامية تُساعد الأفراد على:
-
فهم ماهية خطاب الكراهية: كيف يُبنى؟ ما رموزه؟ ومن المستفيد منه؟
-
إدراك أن الكراهية الإعلامية ليست مجرد “رأي” بل تحريض ممنهج له تبعات خطيرة على السلم الاجتماعي.
-
التفريق بين النقد المشروع وخطاب الكراهية، وهو لبس شائع في كثير من البيئات.
2. تعزيز التفكير النقدي تجاه الرسائل الإعلامية
من خلال مهارات التحليل والتفكير النقدي التي تُقدّمها التربية الإعلامية، يصبح الفرد قادرًا على:
-
كشف الأساليب الإعلامية المستخدمة للتلاعب بالعواطف وتحويل الاختلاف إلى عداء.
-
تمييز المحتوى الذي يروّج للكراهية بشكل غير مباشر (مثل الصور النمطية، التعميمات، السخرية من فئة معينة).
-
رفض الانسياق العاطفي وراء منشورات أو مقاطع فيديو تحمل خطابًا تعبويًا أو تحريضيًا.
3. التمكين الأخلاقي والمسؤولية في استخدام الإعلام
التربية الإعلامية لا تكتفي بتعليم التحليل، بل تغرس أيضًا:
-
قيم المسؤولية في النشر والمشاركة، خاصة لدى الشباب.
-
مبدأ: “توقف – تحقق – فكّر” قبل مشاركة أي محتوى قد يُؤجج الكراهية أو يُسيء للآخرين.
-
الإيمان بأن حرية التعبير لا تعني إيذاء الآخرين أو الترويج للتمييز والعنف.
4. مواجهة خطاب الكراهية بخطاب مضاد واعٍ وبنّاء
الأشخاص المتسلّحين بالتربية الإعلامية لا يكتفون بتجنّب خطاب الكراهية، بل:
-
يُنتجون محتوى بديلًا يعكس قيم التسامح والتنوع والاحترام.
-
يشاركون في نقاشات إلكترونية بنّاءة ترد على الكراهية بالمنطق والحوار.
-
يفضحون حملات الكراهية المنظمة، ويدعون لمقاطعتها أو الإبلاغ عنها.
5. بناء “مناعة مجتمعية” ضد التضليل والتحريض
عندما يُصبح لدى المجتمع وعي إعلامي جماعي:
-
تقل قابلية التأثر بالدعاية التحريضية.
-
تنشأ ثقافة مساءلة إعلامية ترفض المنصات التي تروّج للكراهية وتُحمّلها المسؤولية.
-
يُعاد الاعتبار لقيم العيش المشترك والتنوع، باعتبارها أساسًا للاستقرار المجتمعي.
6. تحصين الفئات الأكثر عرضة للتأثر (الشباب، الأطفال، الفئات المهمّشة)
الفئات الأكثر استهدافًا من قبل الخطاب الكاره يمكن أن تكون أيضًا أقوى أدوات مقاومته، إذا تم تمكينها من خلال التربية الإعلامية:
-
الشباب قادرون على كسر سلاسل الكراهية عبر الإعلام البديل والمحتوى الإبداعي.
-
الأطفال يمكن أن ينشؤوا على ثقافة تقبّل الآخر بدلًا من ثقافة الخوف منه.
-
الفئات المهمّشة يمكن أن تملك أدوات الدفاع عن نفسها إعلاميًا بطرق سلمية وفعالة.
إن التربية الإعلامية لا تحارب خطاب الكراهية بالقوة أو الرقابة، بل بالفهم والوعي والمسؤولية. وهي السبيل الأنجع لتكوين مواطن ناقد لا منقاد، يرفض الكراهية لا لأنه مُجبر، بل لأنه يعرف خطرها، ويدرك مسؤوليته الأخلاقية في مواجهتها. وفي اليمن، حيث تعمّق خطاب الكراهية جراحات الحرب والانقسام، تصبح التربية الإعلامية حجر الأساس لأي مشروع للسلام والتماسك المجتمعي.
توصيات عملية للحد من خطاب الكراهية في اليمن
أولاً: في قطاع التعليم
-
إدراج مفاهيم التربية الإعلامية والتسامح في المناهج الدراسية
-
لتعليم الطلاب منذ الصغر كيفية احترام الآخر، والتمييز بين النقد والكراهية.
-
-
تنفيذ برامج تدريب للمعلمين حول التنوع والتعايش
-
لتأهيلهم على التعامل مع السلوكيات التمييزية أو العنصرية داخل المدارس.
-
-
تعزيز ثقافة الحوار داخل المؤسسات التعليمية
-
من خلال أنشطة طلابية ونقاشات مفتوحة تحفز التفكير النقدي وتقبل الاختلاف.
-
ثانيًا: في قطاع الإعلام
-
تطوير مدوّنة سلوك مهني للمؤسسات الإعلامية
-
تُجرّم نشر أو بث أي محتوى يحرض على الكراهية، العنف، أو التمييز.
-
-
تدريب الصحفيين على الصحافة المسؤولة وبناء السلام
-
خاصة في تغطية النزاعات والحساسيات الطائفية أو المناطقية.
-
-
تشجيع الإعلام البديل والمبادرات الشبابية الإيجابية
-
لدعم محتوى يعكس التنوع الثقافي والوطني بدلاً من خطاب الاستقطاب.
-
ثالثًا: في الجانب القانوني والتشريعي
-
إصدار قوانين واضحة تُجرّم خطاب الكراهية والتحريض
-
على أن تشمل وسائل الإعلام التقليدي والرقمي، مع ضمان تطبيق عادل.
-
-
مراقبة منصات الإعلام الرسمية والحزبية
-
ومحاسبة الجهات التي تستخدمها لنشر الكراهية أو تقسيم المجتمع.
-
رابعًا: في المجال الديني والثقافي
-
تحفيز علماء الدين والخطباء على نشر خطاب ديني معتدل
-
يُشجع على التسامح، وينبذ التحريض أو التكفير أو الإقصاء.
-
-
إنتاج أعمال فنية وإعلامية تناهض الكراهية وتُعزز التعايش
-
مثل الأفلام القصيرة، المسرحيات، أو الأغاني ذات الرسائل الإنسانية.
خامسًا: في المجال المجتمعي والمدني
-
دعم منظمات المجتمع المدني في رصد ومكافحة خطاب الكراهية
-
من خلال حملات توعية، ومراقبة وسائل الإعلام ومنصات التواصل.
-
تنظيم لقاءات مجتمعية للحوار بين مختلف مكونات المجتمع
-
لتقريب وجهات النظر وتعزيز الثقة المتبادلة بين الأطراف المختلفة.
-
تشجيع المؤثرين على مواقع التواصل لنشر رسائل سلام وتسامح
-
ومواجهة المحتوى المسيء أو المحرّض بخطاب بديل يحترم الجميع.
لمواجهة خطاب الكراهية في اليمن، نحن بحاجة إلى إرادة وطنية شاملة، تبدأ من التعليم والإعلام، وتمر عبر القانون والمجتمع والدين. فبناء السلام يبدأ من بناء وعي يحترم الإنسان، ويقدّر التنوع، ويرفض الكراهية مهما كان شكلها أو مصدرها.
نحو إعلام يُداوي لا يُؤذي
في المجتمعات التي تمرّ بأزمات مزمنة وصراعات معقدة، مثل اليمن، يصبح الإعلام سلاحًا ذا حدين. إما أن يكون أداة للتهدئة وبناء الجسور بين الناس، أو يتحوّل إلى وسيلة لزرع الفتن وتعميق الكراهية.
وفي ظل ما يشهده اليمن من انقسامات سياسية وطائفية ومناطقية، كثيرًا ما تحوّل الإعلام من وسيلة للتوعية وبناء السلام إلى أداة للتعبئة والتحريض. لهذا، فإن إعادة بناء إعلام مسؤول ومهني أصبحت ضرورة وطنية وأخلاقية.
الإعلام اليمني بين الرسالة والمأساة
لعب الإعلام دورًا كبيرًا في تشكيل وعي المجتمع، لكنه في كثير من الأحيان أصبح طرفًا في الصراع. فبعض الوسائل الإعلامية تمارس التحريض بشكل مباشر أو غير مباشر، وتغذّي الانقسامات، وتشوه صورة الآخر، مما يؤدي إلى:
-
نشر الكراهية والتحريض على العنف
-
تبرير الإقصاء والعنف الطائفي أو السياسي
-
تشويه الحقائق وخداع الجمهور
-
تقويض فرص التفاهم والمصالحة الوطنية
خطاب الكراهية خطر صامت
خطاب الكراهية ليس مجرد كلمات، بل هو وقود يؤجج الأحقاد، ويدفع الأفراد إلى كراهية بعضهم البعض بناءً على الدين أو الطائفة أو المنطقة أو التوجّه السياسي. وعندما يُصبح هذا الخطاب طبيعيًا أو مقبولًا، يتحول إلى ثقافة عامة تدمر نسيج المجتمع.
ومن آثاره في اليمن:
-
تمزيق الروابط الاجتماعية والمجتمعية
-
تعميق الانقسام وزيادة الاستقطاب
-
إطالة أمد الحرب وعرقلة جهود السلام
-
نشر الخوف وعدم الثقة بين فئات المجتمع
كيف نصنع إعلامًا يُداوي لا يُؤذي؟
لبناء إعلام مسؤول في اليمن، لا بد من اتباع خطوات عملية ومدروسة، منها:
-
بناء إعلام وطني جامع
إعلام يُعلي مصلحة اليمن، ويبتعد عن التحزّب والتحريض. إعلام يخاطب كل اليمنيين بلغة واحدة، ويعزز القيم المشتركة بدلًا من تأجيج الفروقات. -
تعزيز أخلاقيات المهنة الإعلامية
الالتزام بالمهنية، والدقة، والتوازن في تغطية الأحداث، مع رفض التحريض والتشويه. وهذا يتطلب تدريبًا مستمرًا للصحفيين وتطوير أنظمة المحاسبة. -
نشر التربية الإعلامية بين الشباب والطلاب
تعليم الجيل الجديد كيف يستهلك الإعلام بوعي، ويفكك الخطاب التحريضي، ويشارك في بناء محتوى يعكس قيم التعايش والاحترام. -
تمكين المبادرات المجتمعية والإعلام البديل
دعم المبادرات الشبابية والمنصات التي تنشر السلام، وتدعو إلى الحوار، وتنتج محتوى يواجه الكراهية بالكلمة الطيبة والصوت العاقل. -
سن قوانين تجرّم خطاب الكراهية والتحريض
يجب أن تكون هناك نصوص قانونية واضحة تجرّم نشر أو بث أي مادة تحرّض على العنف أو التمييز أو الكراهية، وتُطبّق بشكل عادل وشفاف. -
إشراك الأسرة والمدرسة في نشر الوعي
تربية الأطفال على التفكير النقدي، واحترام الآخر، وعدم الانجرار وراء الخطابات التحريضية. فالوعي يبدأ من البيت والمدرسة، وينتشر إلى المجتمع.
فلنربّي أبناءنا على:
النقد بدلًا من التصفيق
لنعلم أبناءنا أن الفكر لا يُقاس بعدد المصفقين، بل بقيمة السؤال وجرأة التحليل. فالتفكير النقدي يصنع الأحرار، بينما التصفيق الأعمى يصنع الأتباع.
السؤال بدلًا من التلقّي الأعمى
السؤال مفتاح الفهم، وبوابة الوعي. ومن لا يسأل، يبقى حبيس ما يُقال له. لنعلّم أبناءنا أن يسألوا: لماذا؟ وكيف؟ ومن المستفيد؟
المحبة بدلًا من الكراهية
الكراهية تقتل الروح قبل أن تؤذي الجسد. أما المحبة، فتبني الأوطان، وتجمع المختلفين على مائدة الاحترام والكرامة.
المعرفة بدلًا من الشائعة
في زمن الإعلام المفتوح، لا بد أن نغرس في أطفالنا احترام الحقيقة، ورفض الإشاعة، والبحث عن المعلومة من مصادرها الموثوقة.
المسؤولية بدلًا من الانفعال
ردود الفعل الغاضبة لا تُغيّر الواقع، بل تعمّقه. أما الوعي بالمسؤولية في الكلمة والموقف، فهو ما يصنع التغيير الحقيقي.
نحو إعلام يُداوي لا يُؤذي ليست مجرد عبارة، بل رؤية لمستقبل إعلامي يعكس تطلعات اليمنيين في العيش بسلام ووحدة. لا يمكن بناء السلام في الواقع إذا كانت الكراهية تُبث على الهواء يوميًا. الإعلام الصادق والمسؤول هو بداية الطريق نحو مجتمع متماسك، يحترم اختلافه، ويتشارك وطنه بوعي ومحبة.
ReplyForward
|